مشاهد مروعة، فعقب مقتل ثلاث فتيات صغيرات في بلدة ساوثبورت شمال غرب إنجلترا، اندلعت أعمال شغب عبر أرجاء البلاد، حيث انخرط مثيرو الشغب «اليمينيون» في أعمال شغب مروعة، مستغلين المعلومات الخاطئة حول هوية المشتبه به، فأضرموا النار في السيارات، وأحرقوا المساجد، وتحرشوا بالمسلمين، ونهبوا المتاجر، وهاجموا الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء. وفي إحدى عطل نهاية الأسبوع أوائل أغسطس، تم تسجيل أكثر من 50 احتجاجاً وحوالي 400 عملية توقيف. وفي الأسبوع الذي تلا ذلك، وُجهت لوائح اتهام إلى المئات من مثيري الشغب وأدين العشرات منهم.
البلاد في حالة ذهول. ولكن رغم كل الجنون الصادم لهذه الأحداث، ينبغي ألا نتفاجأ. ذلك أن مشاعر العداء التي تقف وراء أعمال الشغب - كراهية المسلمين والمهاجرين على حد سواء - لطالما وجدت تعبيراً عنها في الثقافة السياسية البريطانية، ليس أقلها في ظل حكومة المحافظين السابقة التي التزمت بـ «إيقاف القوارب» التي يركبها المهاجرون للوصول إلى السواحل البريطانية.
المتطرفون اليمينيون، الذين شجّعهم تحولُ تلك الحكومة إلى مهاجمة المهاجرين وزادهم جرأة، كانوا يتحيّنون الفرصة المثالية للخروج إلى الشوارع. وفضلاً عن ذلك، فإنهم وجدوا ضالتهم في الإنترنت، حيث تسمح المنصات الرقمية - التي تفتقر إلى التنظيم والإشراف - بانتشار المعلومات المضللة المليئة بالكراهية، مما يهيّج المشاعر. لقد كانت أياماً مقلقة، ولكن الفوضى كانت قادمة. 
في صميم أعمال الشغب يوجد التضليل. ففي أعقاب أعمال القتل التي وقعت في ساوثبورت، نشر مستخدمون على موقع «إكس» ادعاءات كاذبة تفيد بأن المنفّذ المزعوم كان طالب لجوء وصل إلى بريطانيا على متن القوارب – والحال أنه ولد ونشأ في ويلز. وعلى تطبيق «تيك توك»، دعا مستخدمون يمينيون متطرفون على الهواء مباشرةً بعضهم البعض للتجمع من أجل التظاهر، ولاقت رسالتهم انتشاراً واسعاً. وبفضل صفحة «من أجلك» على التطبيق نفسه، لم يكن من الصعب عرض مقاطع الفيديو على المستخدمين الذين تفاعلوا مع المحتوى اليميني المتطرف أو المناهض للمهاجرين.
جهاز الحشد والتعبئة امتد إلى خدمات المراسلة. فعلى تطبيق «تلغرام»، كانت هناك دردشات جماعية يمينية متطرفة تتشارك قوائم بأماكن الاحتجاجات. وفي دردشات «واتساب»، كانت هناك رسائل حول استعادة الشوارع وإزالة «القواعد الرئيسية» من مناطق المهاجرين في لندن. ثم سرعان ما ضخّمت هذه الدعواتِ للتحرك شخصياتٌ يمينيةٌ متطرفةٌ مثل آندرو تيت وتومي روبنسون، مؤسس «رابطة الدفاع الإنجليزية»، والذي لجأ إلى موقع «إكس» لنشر الأكاذيب وتأجيج الكراهية. وعلى الفور تقريباً، خرج الناس إلى الشوارع وعاثوا في الأرض فساداً.
ولم يكن هناك ما يوقف سيل الادعاءات الكاذبة ولغة الكراهية، حتى بعد أن نشر المسؤولون معلومات حول هوية المشتبه به. فالتشريعات المتعلقة بالسلامة على الإنترنت مبهمة ومربكة. والعام الماضي، أقرّت حكومة «المحافظين» قانون السلامة على الإنترنت، والذي يهدف إلى حماية الأطفال وإجبار شركات التواصل الاجتماعي على إزالة المحتوى غير القانوني. غير أنه لا توجد في القانون إشارة واضحة إلى المعلومات المضللة.
وفي يناير الماضي، أُدخلت جرائم جديدة على القانون، مثل نشر «الأخبار الكاذبة التي تهدف إلى التسبب في ضرر غير تافه وغيرها من حالات إساءة الاستخدام على الإنترنت». وعقب أعمال الشغب، قيل إن حكومة حزب «العمال» تخطّط لتعزيز هذا القانون. ولا شك أن كل هذه تطورات جيدة، ولكن التشريع لم يدخل حيز التنفيذ بعد ومن غير الواضح كيف سيتم تطبيقه.
غير أن المشكلة الكبرى تكمن في أن الكثير من الأشياء في القانون تتوقف على إثبات النية، وهو أمر من المعروف أنه من الصعب تحقيقه. وفي هذا الإطار، أخبرني هنري باركر، نائب رئيس شؤون الشركات في منظمة «لوجيكلي»، وهي منظمة بريطانية تراقب المعلومات المضللة على الإنترنت، أن هناك حاجة إلى معايير أكثر وضوحاً لما يشكّل النية وكيف يمكن المعاقبة عليها.
وهذا موضوع صعب، إذ من الصعب تحقيق التوازن الصحيح بين حماية حرية التعبير والسيطرة على الخطاب الضار. ومع ذلك، يقول باركر: «إن تدخل الحكومة في هذا الأمر أمر مشروع»، مضيفا: «إذ مثلما أن هناك حقاً في حرية التعبير، فإن هناك حقاً للناس في الحصول على معلومات دقيقة». 
وفي غياب تنظيم فعال أو رقابة فعالة، لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً مركزياً متزايداً في دفع اليمينيين المتطرفين في بريطانيا إلى التشدد. فتحت قيادة إيلون ماسك، سمحت شركة «إكس» لمستخدمين يمينيين متطرفين، مثل روبنسون، بالعودة إلى المنصة. ومنذ بدء أعمال الشغب، أجّج ماسك نفسه الموقف إذ قال إن «الحرب الأهلية أمر لا مفر منه»، قبل أن ينخرط في خطاب غاضب في سلسلة من المنشورات الغريبة.
ولكن الضرر الحقيقي هو كيف سمح للمحتوى الضار بالازدهار؟ وفي هذا السياق، أخبرني عمران أحمد، مؤسس «مركز مكافحة الكراهية الرقمية»، أن «إكس كمنصة معرّضة أكثر من غيرها للتضليل على نطاق واسع لأنهم تخلّوا عن تطبيق قواعدهم»، والنتيجة هي عالم من الكراهية والأكاذيب والتطرف على الإنترنت.
رئيس الوزراء كير ستارمر، وإلى جانب تعهده «بعدم التهاون» في مباشرة الإجراءات القانونية ضد مثيري الشغب، وعد بمحاكمة مثيري الشغب على أفعالهم عبر الإنترنت - والذين أدين عددٌ صغيرٌ منهم بالتحريض على الكراهية العنصرية. ولكن يبدو أن الحكومة لا تستطيع فعل سوى القليل لمحاسبة منصات التواصل الاجتماعي نفسها. ذلك أن أعمال الشغب هذه، التي تمثّل انفجاراً لمشاعر الكراهية ضد الأجانب أجّجته التكنولوجيا، لم تكن سوى مسألة وقت. ولعل الشيء المخيف حقاً هو قلة ما نستطيع القيام به لإيقافها!

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»